أمــــــل الحيـــــــاة مديرة المنتدى
دولتي : وظيفتي : طالبــــة هوايتي : تصفح النت لوني : بنفسجي رسالتي : حكمتي في الحياة : المؤمن كالورقة الخضراء لا يسقط مهما هبت العواصف مساهماتي : 914 موقعي : https://sama3.forumarabia.com تاريخ التسجيل : 21/01/2012
| موضوع: من لي بقلب وأذن وعين ؟! الخميس سبتمبر 13, 2012 3:08 am | |
| في يومٍ أشرقت فيه شمس اﻹسﻼم والسﻼم ، واستنار الكون بنور الهُدى . حين نزل جبريل بالوحي مِن الله جل جﻼله على نبيه عليه الصﻼة والسﻼم ، ليُعلِن انتهاء ليل الجاهلية وعبادات باطلة ، وليتجّه الناسُ لعبادة ربِّ السماوات واﻷرض . أشرقت الشمس ، ومعها بدأ الكَدّ والعمل ؛ ومعها بدأ نصبٌ يﻼقيه المسلمون في سبيل الله ..
فيشتدّ اﻹيذاء ، وتُعلَن الحرب النفسية والجسدية على المسلمين في مكة فكان الرؤوف الرحيم عليه الصﻼة والسﻼم يمرّ بقومه فﻼ يملِك إﻻ أن يصبّرهم ويعدهم بالجنات .. فكان أصحابه يصبرون ويستبشرون ويرجون مِن الله ما ﻻ يرجو أهل الكُفر .
فلما بلغ اﻷمر ذروته ، وبدأ المسلمون يرجُون النصر والعلوّ ، أتاهم اﻹذن بالهجرة إلى المدينة ، بعد أن هاجروا هجرةً أولى إلى الحبشة .. ومع الهِجرة بدأت تباشير الفَرَج تلوح في أُفق كل مَن وحّد ربّه ، وأعلنها مدويّة أن ﻻ إله إﻻ الله ، فتبدأ وفود المسلمين بالتسابق والفِرار بالدِّين مِن قومهم وأرحامهم وذويهم ! ويبقى عليه الصﻼة والسﻼم في مكة ، لم يرحل ، ولم يبرحْ أرضَ قومه الذين نالوا منه ومِن أصحابه ، وينتظِر إذنًا خاصًا له مِن الله ليهاجِرَ ويلقى أصحابه في أرض النخيل أرض يثرب . ويبقى معه صاحبه وحبيبه أبو بكر – رضي الله عنه – الذي قال عنه عليه الصﻼة والسﻼم [ ما ﻷحد عندنا يد إﻻ وقد كافأناه ما خﻼ أبا بكر ، فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة ، وما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر ، ولو كنت متخذا خليﻼ ﻻتخذت أبا بكر خليﻼ ، أﻻ وإن صاحبكم خليل الله ] قال الترمذي : حديث حسن غريب .
فينتظِر عليه الصﻼة والسﻼم ، ثم يأتيه اﻹذن ، فيخرج إلى صاحبه ويخبره الخبر فبكى – رضي الله عنه – مِن الفرَح ، لم يبكِ ﻷنه سيخرج فارًّا بدينه ، بل بكى فرِحًا بالصُحبة التي سيصحبها .. فهو رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في سفره ، فحُقَّ له أن تدمعَ عيناه استبشارًا بهذه الرِفقة في السفر .
لن أتحدّث عن مواقِف أبي بكر – رضي الله عنه – في هذه الرحلة المباركة .. ولكن سأفتح صفحةً مِن كتاب أخﻼقه عليه الصﻼة والسﻼم ، لنعيش معًا ذلك الموقف اللطيف مع أبي بكر .
خرج اﻻثنان مهاجران إلى المدينة ، حيث سبقهما المسلمون هناك .. خرجا هربًا وعيونهم ترقب ، وقلبيهما يسأﻻن الله النجاة ، ﻷنّ محمدًا عليه الصﻼة والسﻼم متوعَّدٌ بالقتل مِن بني قومه . فيجدان ذلك الغار المهجور ليختبئا فيه ، فيدخﻼن إليه لعلّهما يأمنا على روحيهما مِن البطش والفتك .. لكن سرعان ما تتحرك عيون قريش وأرجلهم ليلحقوا بهما فيقفون على فتحة الغار ، فيرتعِد أبو بكر ويخاف أن ينظروا محل أقدامهم فيرونهم فيقتلون صاحبه وتنتهي الدعوة ، فتتحرك شفتاه بهمس مع خوف فيقول : " يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه " . فيأتيه ذلك التطمين مِن الرسول عليه الصﻼة والسﻼم ، وتأتيه كلمات مِن حبيبه عليه الصﻼة والسﻼم ليهدأ روعه وتطمئن نفسه ويرتاح فؤاده ، فيقول عليه الصﻼة والسﻼم " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " (رواه مسلم) .
يالله مِما فعله عليه الصﻼة والسﻼم ، وكيف استطاع بجملته أن يسحب كل خوف سكن في نفس أبي بكر – رضي الله عنه - . لم ينهره عليه الصﻼة والسﻼم ، ولم يسخر به ، ولم يقلل مِن حجم خوفه .. بل طمأنه وسكّن فؤاده وأراح قلبه بكلماتٍ يسيرات ، جعلت أبا بكر يرتاح ويهدأ روعه .
فمَن يأتيني بمثل أخﻼقه عليه الصﻼة والسﻼم ، ويفعل فِعله ؟ فاﻹنسان في حل الكَرب والشِدّة ، وفي حال الفزَع مما في المستقبل ، يحتاج لمثل هذا الدَفْع وهذا الثبات . يحتاج مَن يقول له معنى جملة : " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ، لتستكين نفس الحزين ويطمئنّ قلبه ، وليشعُر أنَّ هُناك مَن يشعرُ به ويعلم به ويقدّر مشاعره ويعلم ما تختلجه نفسه مِن آﻻم . إنّ شعور المكلوم بمثل هذا القُرب وهذا الفَهم يخفف عنه لواعِج حُزنه ، وتفطّرَ كبده مِن حزنه ، ويجعله يجِد صدرًا حانيًا يحتويه ، وقلبًا عطوفًا يسمع له . أمّا احتقار المشاعِر ، أو وصف صاحبها بصفة المبالغة في المشاعر ! أو تهميش دواخله ، كلُّ هذا مما يزيد الحُزنَ حُزنًا وقد قيل : وﻻ بُدَّ مِن شكوى لذي مروءةٍ = يواسيكَ أو يسلّيكَ أو يتوجّعُ
**** صلّى عليك الله يا علمَ الهُـــدى = واستبشرت بقدومكَ اﻷيامُ هتفت لك اﻷرواحُ مِن أشواقِها = وازّينت بحديثـــــــكَ اﻷقﻼمُ كم كان يواسي ، كم كان يؤازِر، كم كان يساعِد .. فيتألم ﻷلم المتألِّم ، ويشعر بشعور الضعيف ، فيجري في عروقه شعور غيره ولو لم ينطِق ذلك اﻹنسان . فهذا أبو هريرة يخبرنا بموقف عجيب ، فلنستمع ما يقوله أبو هريرة – رضي الله عنه – حيث يقول : " والله ; إن كنت ﻷعتمد على اﻷرض من الجوع ، وإن كنت ﻷشد الحجر على بطني من الجوع ; ولقد قعدت على طريقهم ، فمر بي أبو بكر ، فسألته عن آية في كتاب الله - ما أسأله إﻻ ليستتبعني - فمَرَّ ، ولم يفعل ، فمَرِّ عمر ، فكذلك ، حتى مر بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فعرف ما في وجهي من الجوع " . (مِن كتاب سير أعﻼم النبﻼء) . اللهم صلِّ وسلم على نبيك وزد يا ربُّ .. يقول : " عرف ما في وجهي من الجوع " ، فأيّ سموّ في اﻷخﻼق وأيّ مشاعرٍ أوتيها عليه الصﻼة والسﻼم ؟؟ لم يقف مع المصرّح المحتاج ، بل تعدّى عليه الصﻼة والسﻼم حتى إلى المحتاج الصامت ! فيقرأ معالِم وجهه ويعرِف حاجته .
فكم بيننا اليوم مَن يقول بقلبه : ليــــلٌ طـــــويلٌ وضوءُ البدرِ مبــــتورُ = والحُزنُ في صفحـــةِ الوجدانِ مسطورُ كم قائلٍ حين يلقاني ، وفي شفتيْ = طيفُ ابتسامٍ ، وفي وجهي تباشيرُ هذا السعيدُ، فما في عيشه نكـــــدٌ = هذا الذي صـــدْرُهُ بالبِــــشرِ معمــــورُ هذا الذي شبعـــــتْ أعماقُــهُ فَـــــرَحًا = فنفسُهُ عــــــــذبةٌ والقــــلبُ مسرورُ يقـــــولها، ما درى عــمَّا أُكـــــــابدُهُ = من الهـــــــمومِ، فمطويٌّ ومنشــــورُ ! يقـــولها، ما درى أني عــلى كَــمدي = أطوي فــــــؤادي، وأنِّ الحُزنَ مطمورُ !
فنجده يكابِد ، ويعاني ، ويموت كمدًا وما درى عنه أقرب قريب ! ولربما صرّح بمعاناته ، فﻼ يجِد إﻻ تقليﻼً مِن شأن حُزنه أو قد يُﻼم ويُقرَع على صِدق مشاعره ! بينما عليه الصﻼة والسﻼم كان يحتوي الجميع ويسمع مِن الجميع ويحس بإحساس الجميع .
لﻸسف أننا نفتقِد أذنًا وقلبًا وعينًا مثل ما كان عليه ، عليه الصﻼة والسﻼم ، وﻻ يوجَد هذا الخُلق إﻻ في نوادِر الناس ! ، ويكاد ﻻ يكون عﻼنيةً يُرى في الناس ، لقلّته ونُدرته . فنشأ عن هذا النقص ، أناسٌ أصابهم الضغط النفسي ، فكتموا وكَبتوا ودفنوا أحزانهم في دواخلهم فأصبح لهم نفسيات مضطربة ، وطاقات مكبوتة تُخرِج أنفاسًا ملتهبة مع أدنى موقف ! فنرى مَن صفته (العصبية) الزائدة عن الحد وغير المعقولة ، وﻻ يوجَد في بيتهم مثله ، ولو فتّشنا في داخله لرأينا حُزنًا عميقًا يكتمه لم يجِد له (ذا مروءةٍ) ليسمَع منه . ونرى مَن جفّت منابِع نشاطه ، أو قلّت خُلطته ، وما ذاك إﻻ لحُزنٍ يكتمه . ومِن الناس مَن ﻻ يجِد في نفسه رادِع الخوف مِن الله، فيتجّه لعﻼقات محرّمة يفضفض مِن خﻼلها معاركه الداخلية ، وكم مِن فتيات حين سُئلنَ لماذا وقعتنَّ في هذا الحرام ؟ قلنَ : نبحث عن عاطفةٍ وقلبٍ يسمعنا !
فلنمضِ معًا نحو قلوب الناس ولتحتوي قلوبُنا قلوبَهم ، ولنسمع ونستمع ، ولنشارِك ، فإنّ القلب السامِع يبرّد حرّة الحُزن حتى يأتي الله بالفرَج .
* مَنْ لِيَ بقلبٍ وأُذُنٍ وعَيْن ؟! كتبته : فجر اﻷمل
| |
|